بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لانبي بعده وعلى آله وصحبه .أمابعد:
قال ابن القيم في مفتاح دار السعادةص147:

وقوله أولئك الأقلون عددا الأعظمون عند الله قدرا يعني هذا الصنف من الناس أقل الخلق عددا وهذا سبب غربتهم فإنهم قليلون في الناس والناس على خلاف طريقهم فلهم نبأ وللناس نبأ قال النبي صلى الله عليه وسلم بدأ (الاسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدا فطوبى للغرباء).
فالمؤمنون قليل في الناس والعلماء قليل في المؤمنين وهؤلاء قليل في العلماء وإياك ان تغتر بما يغتر به الجاهلون فانهم يقولون لو كان هؤلاء على حق لم يكونوا اقل الناس عددا والناس على خلافهم فاعلم ان هؤلاء هم الناس ومن خالفهم فمشبهون بالناس وليسوا بناس فما الناس الا اهل الحق وإن كانوا اقلهم عددا قال ابن مسعود لا يكن احدكم إمعة يقول انا مع الناس ليوطن احدكم نفسه على ان يؤمن ولو كفر الناس وقد ذم سبحانه الاكثرين في غير موضع كقوله وان تطع اكثر من في الارض يضلوك عن سبيل الله وقال وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين وقال وقليل من عبادي الشكور وقال وان كثيرا من الخلطاء ليبغى بعضهم على بعض الا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم وقال بعض العارفين انفرادك في طريق طلبك دليل على صدق الطلب
مت بداء الهوى والا فخاطر ... واطرق الحي والعيون نواظر
لا تخف وحشة الطريق اذا سر ... ت وكن في خفارة الحق سائر
وقال في إغاثة اللهفان:
وتارة يوطن نفسه على الصبر ثم ينفسخ عزمه ولا يستمر معه لضعف علمه وبصيرته وصبره : كمن دخل في طريق مخوف مفض إلى غاية الأمن وهو يعلم أنه إن صبر عليه انقضى الخوف وأعقبه الأمن فهو محتاج إلى قوة صبر وقوة يقين بما يصير إليه ومتى ضعف صبره ويقينه رجع من الطريق ولم يتحمل مشقتها ولا سيما إن عدم الرفيق واستوحش من الوحدة وجعل يقول : أين ذهب الناس فلي بهم أسوة وهذه حال أكثر الخلق وهي التي أهلكتهم فالبصير الصادق لا يستوحش من قلة الرفيق ولا من فقده إذا استشعر قلبه مرافقة الرعيل الأول الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا فتفرد العبد في طريق طلبه دليل على صدق الطلب
ولقد سئل إسحاق بن راهويه عن مسألة فأجاب فقيل له : إن أخاك أحمد بن حنبل يقول فيها بمثل ذلك فقال : ما ظننت أن أحدا يوافقني عليها ولم يستوحش بعد ظهور الصواب له من عدم الموافقة فإن الحق إذا لاح وتبين لم يحتج إلى شاهد يشهد به والقلب يبصر الحق كما تبصر العين الشمس فإذا رأى الرائي الشمس لم يحتج في علمه بها واعتقاده أنها طالعة إلى من يشهد بذلك ويوافقة عليه
وما أحسن ما قال أبو محمد عبدالرحمن بن إسماعيل المعروف بأبي شامة في كتاب الحوادث والبدع : حيث جاء الأمر بلزوم الجماعة فالمراد به لزوم الحق واتباعه وإن كان الممتسك به قليلا والمخالف له كثيرا لأن الحق هو الذي كانت عليه الجماعة الأولى من عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ولا نظر إلى كثرة أهل البدع بعدهم قال عمرو بن ميمون الأودي : صحبت معاذا باليمن فما فارقته حتى واريته في التراب بالشام ثم صحبت بعده أفقه الناس عبدالله بن مسعود رضي الله عنه فسمعته يقول : عليكم بالجماعة فإن يد الله على الجماعة ثم سمعته يوما من الأيام وهو يقول : سيلي عليكم ولاة يؤخرون الصلاة عن مواقيتها فصلوا الصلاة لميقاتها فهي الفريضة وصلوا معهم فإنها لكم نافلة قال قلت : يا أصحاب محمد ما أدري ما تحدثونا قال : وما ذاك قلت : تأمرني بالجماعة وتحضني عليها ثم تقول : صل الصلاة وحدك وهي الفريضة وصل مع الجماعة وهي نافلة ! قال : يا عمرو بن ميمون قد كنت أظنك من أفقه أهل هذه القرية تدري ما الجماعة قلت : لا قال : إن جمهور الجماعة : الذين فارقوا الجماعة .الجماعة ما وافق الحق وإن كنت وحدك وفي طريق أخرى فضرب على فخذي وقال : ويحك إن جمهور الناس فارقوا الجماعة وإن الجماعة ما وافق طاعة الله عز و جل قال نعيم بن حماد : يعني إذا فسدت الجماعة فعليك بما كانت عليه الجماعة قبل أن تفسد وإن كنت وحدك فإنك أنت الجماعة حينئذ ذكره البيهقي وغيره
وقال أبو شامة عن مبارك عن الحسن البصري قال السنة والذي لا إله إلا هو بين الغالي والجافي فاصبروا عليها رحمكم الله فإن أهل السنة كانوا أقل الناس فيما مضى وهم أقل الناس فيما بقي : الذين لم يذهبوا مع أهل الإتراف في إترافهم ولا مع أهل البدع في بدعهم وصبروا على سنتهم حتى لقوا ربهم فكذلك إن شاء الله فكونوا وكان محمد بن أسلم الطوسي الإمام المتفق على إمامته مع رتبته أتبع الناس للسنة في زمانه حتى قال : ما بلغني سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا عملت بها ولقد حرصت على أن أطوف بالبيت راكبا فما مكنت من ذلك فسئل بعض أهل العلم في زمانه عن السواد الأعظم الذين جاء فيهم الحديث إذا اختلف الناس فعليكم بالسواد الأعظم فقال : محمد بن أسلم الطوسي هو السواد الأعظم وصدق والله فإن العصر إذا كان فيه عارف بالسنة داع إليها فهو الحجة وهو الإجماع وهو السوار الأعظم وهو سبيل المؤمنين التي من فارقها واتبع سواها ولاه الله ما تولى وأصلاه جهنم وساءت مصيرا.ا.هـ.