بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن أهتدى بهداه أما بعد:


فهذا هو الجزء الثاني من فوائد رسالة السجزي في الرد على من أنكر الحرف والصوت في كلام رب العالمين:
وفي ص117:
واختلف قول الأشعري أيضاً في الإعجاز فقال في موضع : الإعجاز يتعلق بهذا النظم ، وليس ذلك بكلام الله عز وجل ، وإنما هو عبارة عنه ، وأما صفة الله تعالى فلا يجوز أن يقال : أن الخل ق يعجزون عنها كما لا يجوز أن يقال : يقدرون عليها . فجعل المعجز غير القرآن ، وإجماع الأمة حاصل على أن القرآن هو المعجز للكافة ، فمن زعم أنه ليس بمعجز والمعجز غيره كان راداً لخبر الله سبحانه وخارقاً للإجماع وذلك كفر .
وقال في غير ذلك الموضع : الإعجاز متعلق بكلام الله ، وكلام الله شيء واحد لا سورة فيه ولا حرف وفي هذا القول بتكذيب للنص وإحالة : فأما التكذيب فإن الله سبحانه قال : { وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين } وقال { قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً } . فبين أن التحدي واقع إلى مثل كلامه القرآن وإلى سورة منه ، فقول الأشعري ( إن المعجز هو الكتاب دون القرآن) تكذيب للنص وخبره ، وقوله ( إن المعجز هو الكلام وليس بسورة ) تكذيب للنص أيضاً .
…والإحالة هي في أن التحدي واقع إلى الإتيان بمثل ما يعلم ويعقل ولو كان بخلاف ذلك لما صح جملة لأن العقل يقتضي أن لا يتحدى واحد إلى الإتيان بمثل ما لا يدري ما هو ، ولا يعقل معناه ، ومثل ذلك إذا سيم واحد كان لعباًَ وهزواً والله سبحانه يتعالى عن ذلك علواً كبيراً .
وفي ص121:
وزعموا(أي الأشعرية) أن كلام الله مكتوب في المصاحف على الحقيقة وليس بحروف والعقل لا يقتضي وجود مكتوب عارياً عن الحرف ، وقالوا : ينبغي أن يكون كلام الله بخلاف كلام غيره ثم قالوا : كلامه و كلام غيره معنى قائم بالنفس فرفعوا ما أوجبوه من الخلاف وهذا تناقض .
وقالوا : إثبات الحروف في كلام الله تشبيه ، ثم قالوا كلام الله وكلام غيره لا حروف فيهما فأفصحوا بالتشبيه ولو كان قولنا : إن الكلام لا يعرى عن الحروف تشبيها مع كون الكتاب دالاً على صحة قولنا ، وكذلك الأثر ، وكلا أن يكون ذلك . لكان تشبيههم أفظع وأشنع فإنهم زعموا أن كلام الله لا حرف فيه ولا صوت ، وكلام الله ودوي النحل وساير الحكل لا حرف فيه ولا صوت فشبهوا كلام الله بكلام الحكل ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيراً.
وقال 122:
ومخالفة الأشعري وأضرابه للعقليات ، ومناقضتهم تكثر ولعل الله سبحانه يسهل لنا جمع ذلك في كتاب مفرد بمنه ، وإنما أشرنا ها هنا إلى يسير منه وفيه مقنع إن شاء الله تعالى .
وأما تظاهرهم بخلاف ما يعتقدونه كفعل الزنادقة ففي إثباتهم أن الله سبحانه وتعالى استوى على العرش ، ومن عقدهم : أن الله سبحانه لا يجوز أن يوصف بأنه في سماء ولا في أرض ، ولا في عرش ولا فوق .
وفي ص128:
وقد أقر الأشعري بحديث النزول ثم قال : النزول فعل له يحدثه في السماء وقال بعض أصحابه المراد بن نزول أمره ونزول الأمر عندهم لا يصح وعند أهل الحق الذات بلا كيفية . وزعم الأشعري : أن الله سبحانه غير ممازج وغير مباين لهم ، والأمكنة غير خالية منه ، وغير ممتلية به .
وهذا كلام مسفت لا معنى تحته ، وتحقيقه النفي بعد الإثبات.
وفي ص130:
وعند الأشعري أن من اعتقد أن الله بذاته في السماء فهو كافر .
وإن زمانا يقبل في قوه من يرد على الله سبحانه ، وعلى الرسول صلى الله عليه وسلم ويخالف العقل ، ويعد مع ذلك إماما ، لزمان صعب والله المستعان .
وفي 137:
بيان أن فرق اللفظية والأشعرية موافقون للمعتزلة في كثير من مسائل
الأصول وزائدون عليهم في القبح وفساد القول في بعضها
وأما موافقتهم للمعتزلة فإن المعتزلة قالت : لا تجوز رؤية الله تعالى بالأبصار وأنه ليس بمرئي .
وقال الأشعري : هو مرئي ولا يرى بالأبصار عن مقابلة . فأظهر خلافهم وهو موافق لهم .
وقالت المعتزلة : لا يجوز أن توصف ذات الله بالكلام ولا كلام إلا ما هو حرف وصوت .
وقال الأشعري : يجب وصف ذاته سبحانه بالكلام وليس ذلك بحرف ولا صوت فنفى ما نفته المعتزلة وأثبت مالا يعقل ، فهو مظهر خلافهم موافق لهم في الأصل .
وفي 138:
وقال الأشعري : القرآن كلام الله سبحانه والسور والآي ليست بكلام الله سبحانه وإنما هي عبارة عنه ، وهي مخلوقة
فوافقهم في القول بخلقها ، وزاد عليهم بأنها ليست قرآن ولا كلام الله سبحانه فإن زعموا أنهم يقرون بأنها قرآن : قيل لهم : إنما يقرون بذلك على وجه المجاز ، فإن من مذهبهم أن القرآن غير مخلوق ، وأن الحروف مخلوقة ، والسور حروف بالاتفاق ، من أنكر ذلك لم يخاطب .
وإذا كانت حروفاً مخلوقة لم يجز أن يكون قرأنا غير مخلوق .

وقال ص.140.139:
وقالت المعتزلة : الزنا والسرقة ، وأخذ أموال الناس بغير حق ، وما شاكل ذلك حرام وهو قبيح في العقل قبل التحريم .
وقال الأشعري : العقل لا يقتضي حسن شيء ولا قبحه ، وإنما عرف القبيح والحسن بالسمع ولولا السمع ما عرف قبح شيء ولا حسنه .

ثم زعم أن معرفة الله سبحانه واجبة في العقل قبل ورود السمع ، وأن تارك النظر فيها مع التمكن منه مستحق للعقوبة والنص إنما دل على ترك عقوبته لا على أنه مستحق لها فإن قال : إن معرفة الله وجبت ولم يعلم حسنها واستحق تارك النظر فيها اللوم كان متلاعباً .
وإن قال : إنها حسنة فقد أقر بأن العقل يقتضي معرفة الحسن والقبيح وإنما ضاق به النفس لما قالت له المعتزلة : الظلم قبيح في العقل ، وإذا أراد الله شيئاً ثم عذب عليه كان ظلماً . فركب الطريقة الشنعاء في أن لا حسن في العقل ولا قبح .
وكان الأمر أيسر في رد ما قالوه من هذا ، لأن موضوع اسم الظلم لوضع الشيء في غير موضعه ، وأخذ ما ليس للآخذ أخذه والله خالق الأشياء ومالكها ، ومدبرها وليس لأحد أن يعترض عليه فيما يصنع فيها ، ولا يضع الشيء إلا فيما يجعله موضعاً له ، ولا يأخذ شيئاً إلا وهو أولى به ، ولا يتصور معنى الظلم في أفعاله ، وقد قال الله سبحانه { لا يسأل عما يفعل وهم يسألون }
وفي 140:
ولقد حكى ( محمد بن عبد الله المغربي المالكي ) وكان فقيهاً صالحا عن الشيخ أبي سعيد البرقي وهو من شيوخ المالكيين ببرقة عن أستاذه خلف المعلم وكان من فقهاء المالكيين " أيضاً أنه " قال أقام الأشعري أربعين سنة على الاعتزال ثم أظهر التوبة ، فرجع عن الفروع وثبت على الأصول . وهذا كلام خبير بمذهب الأشعري وغوره .
قال ص145:
ينبغي أن ينظر في كتب من درج وأخبار من سلف هل قال أحد منهم : إن الحروف المتسقة التي يتأتى سماعها وفهمها ليست بكلام الله سبحانه على الحقيقة ؟ وأن الكلام غيرها ومخالف لها ، وأنه معنى لا يدرى ما هو غير محتمل شرحاً وتفسيراً ؟ فإن جاء ذلك عن أحد من الأوائل والسلف ، وأهل النحل قبل مخالفينا الكلابية والأشعرية عذروا في موافقتهم إياه .
…وإن لم يرد ذلك عمن سلف من القرون والأمم ولا نطق به كتاب منزل ولا فاه به نبي مرسل ولا اقتضاه عقل ، علم جهل مخالفينا و ابتداعهم ولن يقدر أحد في علمي على إيراد ذلك عن الأوائل ولا اتخاذه ديناً في أثر أو عقل . وكل ما يتعلق به مخالفونا في هذا الفصل فمن المجاز أو بنيات الطريق . والعقل والسمع معا يؤيدان ما نقوله ، وبه نطق الكتاب والأثر ، وثبت العرف به .