إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، فإنه ما أوتي العبد إلا من هذين البابين الله  يأتي منه الخير كله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليماً كثيرا إلى يوم الدين.
أيها الناس اتقوا الله تعالى حق التقوى واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى وعضوا بنواجذكم على سنة المصطفى ، واقبضوا على دينكم في هذه الأزمان كما تقبضون على الجمر، من الذي يقبض على الجمر، من الذي يقوى على القبض على الجمر وهو يحس بحر الجمرة في يده وفي كبده وفي قلبه، هكذا القابض على دينه في هذه الأزمان.
واسألوا الله العافية ولا تثقوا بأنفسكم وأحسنوا الظن بربكم، اعلموا أن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي رسول الله ، اعلموا وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة.
أيها الموحدون عباد الله احذروا شهادة الزور، قال عليه الصلاة والسلام: «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر الإشراك بالله وعقوق الوالدين وكان متكًأ فجلس وقال: ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور، ألا وقول الزور فمازال يُكرر ذلك حتى قال الصحابة ليته سكت إشفاقاً عليه  »، من عظم ما عظم في هذا الأمر، وإن شاهدة الزور ليست واحدة ولكنها شهادات كثيرة قد نقع فيها ونحن لا نشعر.
أيها الموحدون أعظم شهادة زور في التاريخ شهادة مشرك الذي يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله بلسانه وينقض ذلك بفعله فيعبد غير الله ويشرك مع الله غيره، هذه شهادته شاهدة زور وهو مشركٌ بالله الشرك الأكبر وقوله بلسانه لا ينفعه، لأن الله اشترط الشهادة، ومن شروط الشهادة:
قوله تعالى: { إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}[الزخرف:86]، فلابد أن تعلم معناها وتوقن بمقتضاها وتعمل بذلك وتُصدق به، وإلا كانت شهادتك شهادة زور كما هي شهادة كثير من المنتسبين اليوم للإسلام يقولون الشهادة بألسنتهم وينقضوها بأعمالهم ولا يبرئون من الشرك وأهله فما أعظم هذه الشهادة وما أقذر هذا الزور، من شهادة الزور الشهادة بأن أهل الإسلام اليوم يفوق عددهم المليار، لأنهم يحسبون إسلاماً ليس هو إسلام محمد ، الإسلام الذي جاء به محمد أهله.
كما قال: كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود، أو كالشعرة السوداء في جلد الثور الأبيض، وليس ربع الثور كما يفعلون الآن يحسبون أهل الإسلام ربع العالم، أو خمس العالم، هذه والله شهادة زور ليس هذا هو الإسلام الذي جاء به محمد  وجاءت به الرسل من قبله.
ومن أعظم شهادات الزور في التاريخ شهادة من يشهد للمشرك أنه مسلم ويعذره بالجهل هذه أعظم شهادة زور في التاريخ، أن يرى المشرك عابد القبر الطائف به، الذابح له، فيشهد له بأنه مسلم في الدنيا وبأنه إن مات فإنه معذور عند الله  ما أقبحها من شهادة وما أعظم وزرها عند الله .
استمعوا يا إخوتي في الله إلى هذه الفتوة المرعبة التي تشيب منها الرؤوس حتى يعلم الناس أن هذه المسألة جد ليست بالهزل، وأنها ليست خلافية بل الأمر أعظم من ذلك.
سئل الإمام الراسخ الجبل عبد العزيز بن باز-رحمه الله-، عن حكم الذين يعذرون المشركين بالجهل ما حكمهم؟ فقال الإمام أبو عبد الله –رحمه الله-: هؤلاء الذين يعذرون بالجعل للمشرك تُقام عليهم الحجة لا تُقام الحجة على المشرك، المشرك قد أقيمت عليه الحجة وهو في ظهر أبيه آدم، ثم ببعث الرسل، وإن من أمة إلا خلا فيها نذير، ولا يشترط أن يأتيه النذير قد وفى الله وبعث الرسل، فيجب عليه أن يبحث وإلا فهو معرض.
ولكن تُقام الحجة قال الشيخ، تُقام الحجة على هؤلاء الذين يعذرون بالجهل، ويعلمون التوحيد، ويعلمون الشرك الذي جاءت الرسل كلها بالأمر بالتوحيد والنهي عن الشرك، وهو هذا الذي يُمارس ولم تعذر الرسل.
قال الشيخ: فإن أسروا بعد ذلك، وانتبهوا يا إخوتي في الله أمرٌ يقف له شعر الرأس وإن الناس كما قالت الصحابة، يدخلون في دين الله أفواجا، ويخرجون منه أفواجا، قال الشيخ: فإن أسر العاذر بالجهل بعد إقامة الحجة عليه، فحكمه كحكم من لم يُكفر اليهود والنصارى والوثنيين سواء بسواء ونحن نعلم أن من لم يُكفر هؤلاء، أو شك في كفرهم، أو صحح مذهبهم كفر إجماعاً.
فيا عباد الله خذوا الأمر بجد واحذروا شهادات الزور.
ومن شهادات الزور أيها الإخوة في الله: الشهادة لمعين من أهل التوحيد والصلاة لم ينقض توحيد بشرك ولا بناقض ولم يترك صلاته حتى مات لا تشهد له بالنار ولا تشهد له بالجنة إلا بوحي، ولكن ترجوا للمحسن وتخاف على المسيء، فإن شهدت فقد تأليت على الله وشهادتك شهادة زور، أما المشرك الذي مات على الشرك فاشهد له بأنه في النار ولا تتردد في ذلك.
قال الله: إن الله لا يغفر أن يُشرك به، وقال الله: إنه من يُشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة، وقال عليه الصلاة والسلام: «إنه لا يدخل الجنة إلا نفسٌ مسلمة»، وقال الله تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ}[التوبة:113].
تبين لنا ونحن في الدنيا أن هؤلاء المشركين أصحاب الجحيم ونحن أحياء وهم قد ماتوا، فإن مات المشرك ولم يظهر منه إسلام ولا توحيد فاشهد له بالنار كما قال : «لينتهين أقوام عن افتخارهم بآباءٍ ماتوا في الجاهلية إنما هم فحم جهنم»، فحكم عليهم بالنار قبل بعثته ، إنما هم فحم جهنم أو ليكونن، يعني هؤلاء المفتخرين أهون على الله من الجُعل الذي يزهزه الخرع بأنفه، فما بينك وبين أن تشهد لمشرك أنه في النار إلا أن يموت على شرك ولم يظهر منه إسلام.
ولو فتحت باب الاحتمالات فإنها لا تنتهي، فحتى لو حضرت موته لربما قلت لعله تشهد في قلبه، لعله تشهد في سره، أنت لست مؤاخذ بذلك إذا مات على دينه ودين آباءه وعلى ملة أهله ولم يوحد فهو مشركٌ في النار كما نص على ذلك القرآن كله.
إخوتي في الله، ومن أعظم شهادات الزور: أن تشهد لمبتدع أنه إمام أو عالم، أو شيخ الإسلام أو نحو هذه الألقاب فتهلك وتُهلك غيرك، إن عرفت منه بدعة فلا تشهد له بإطلاق وإن أوصيت على كتبه أو على شيءٍ من كلامه فحذر من توصية وإلا تحملت تبعته يوم القيامة وهلكت وأهلكت، ولو كان هذا المبتدع مشهوراً أو مؤلفاً إذا أظهر البدعة ودعا إليها وكتبها فلا تمدحه بإطلاق وإلا كانت شهادتك للمبتدع شهادة زور وأحذر ذلك يا عبد الله احذر وأعقل ما يخرج من رأسك فإنك مؤاخذٌ عن كل شيء، ما يلفظ من قول إلا لديه رقيبٌ عتيد.
أتدرون أيها الموحدون ما هو سببٌ من أسباب البدع في شمال أفريقيا، إنها شهادة من هذه الشهادات ومعها قبلة رأس فأدت في انتشار البدع في أصقاعٍ كثيرة فاحذروا عباد الله.
كان أبو ذر الهروي مصاحباً للدار قطن، متتلمذا عليه واثقاً به وكانا يمشيان في أزقة بغداد، فقابلا الباقلاني وهو مشهور ببدع كثيرة، فقال الدار قطن: هذا شيخ الإسلام، وهذا لا يحل له أن يقول هذا الكلام وهو يعرف ما عنده من البدع التي خالفت أمر الله وأمر رسوله، ثم قبل رأسه أيضاً فلما تفرق الشيخ وتلميذه، رجع التلميذ الهروي إلى الباقلاني فصحبه وتأثر ببعض السم الذي عنده، ثم انتقل الهروي إلى مكة وأخذ يُجالسه حجاج المغاربة فانتقل السم إلى شمال أفريقيا بسبب هذه الشهادة وهذه القبلة.
فيا عبد الله احذر ثم احذر أن تشهد لأحد أو تمدح أحد إلا وأنت تعلم أنك مؤاخذ على هذه الشهادة إلا من شهد بالحق وهم يعلمون، احذر من عواقب كلامك، قد يغتر بك تلميذ أو طالب، أو رجلٌ من عامة المسلمين فتخدعه بذلك.
كان السلف من ورعهم أنهم لا يقبلون طالباً يطلب العلم عندهم حتى يتأكدون منه فضلاً أن عن أن يأخذوا عنه، إن كان شيخا.
كان زائدة بن قدامه-رحمة الله عليه- من أئمة السلف لا يقبل طالباً عنده يُحدثه الحديث حتى يعلم مذهبه، فتشفع عنده زهير أو رجل ٌمن أهل الحديث في طالب، فقال قدامه: هو من أهل السنة قال: ما علمنا إلا خيراً قال: دعك من هذا، هو من أهل السنة تشهد له، أحدثه، فغضب الشافع وقال: متى كان الناس هكذا، فقال زائدة: ومتى كان الناس يشتمون أبى بكرٍ وعمر، لما انتشرت البدع احتطنا لأنفسنا.
يا عباد الله الأمر جد، قال الله: { فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ}[الحج:30]، قرنها بالشرك، {حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ}[الحج:31].
ومن شهادة الزور: أن تمدح رجلاً أو شيخاً أو عالماً أو مجاهداً أو قناة أو موقعاً أو إذاعة أو كتاباً أو شريطاً، وأنت لا تتحمل مسئولية هذه الشهادة، تمدحه لمسلم اغتر بك وألقى قياده إليك فغررته بهذه الشهادة فإن تأثر بما في هذا فأنت مسئول فلا تشهد إلا كما قال الله: إلا من شهد بالحق وهم يعلمون {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}[ق:18].
ومن شهادات الزور: أن تشهد لفاسق مظهر الفسق أو البدعة تشهد له بالخير يستنصحك مسلم في تزويجه أو مصاحبته أو تسليم أولاده إليه، أو طلب العلم عليه، فتكتم الشهادة، ومن يكتمها فإنه آثم قله، ثم تشهد بالزور، يا ويلك من الله إن فعلت ذلك.
ومن شهادات الزور أيها الإخوة في الله: الشهادة لأحد لتقتطع به حق مسلم فتشهد أن هذا المال، أو هذا العقار، أو هذا الحق، أو هذا الدين لفلان على فلان وأنت لم تتأكد من ذلك، قال عليه الصلاة والسلام وأشار إلى الشمس فيما يُروى عنه قال: «على مثلها فاشهد أو دع»، على مثلها على مثل الشمس التي لا تتمارى في رؤيتها على مثلها فاشهد أو دع وإلا ستتحمل المسئولية، لا تشهد لأحد ولا تمدح أحداً حتى تعلمه وتخبره.
في آخر الزمان كما جاء في حديث حذيفة، يُقال للرجل ما أجلده ما أظفره ما كذا ما كذا، يمدحونه وليس في قلبه مثقال خردل من إيمان، والله إنه لزماننا يُمدح الرجل ويُصدر في المجالس ويُعظم وليس عنده إيمان ربما لا يُصلي، فاحذر يا عبد الله.
شهد رجلٌ عند عمر لرجل فقال أبو حف العمر، المحدث الملهم الإمام الجبل: أتعرفه؟ قال: نعم أعرفه، قال: هل جاورته في المنزل فعرفت مدخله ومخرجه، وصلاته ودينه؟ قال: لا، قال: هل عاملته بالدرهم والدينار فعرفت أمانته وديانته وخوفه من الله؟ قال: لا، قال: هل صحبته بالسفر الذي يذهب فيه للتجمل والتصنع ويُسفر عن أخلاق الرجال فعرفت معدنه وصلاته واستقامته؟ قال: لا، قال: فلما تشهد له، ألا تتقي الله لعلك رأيته قائماً جالساً في المسجد، قال: نعم يا أمير المؤمنين، قال: المسجد يجمع المؤمن والمنافق، ولكن لا تشهد لأحد حتى تخبره، ذالك لما كان القوم يخافون الله ويتقونه.
من الشهادات أيها الإخوة: ما ذكره بعض العلماء في قصة معبرة طريفة وهو أنه كان يشرح من المغرب إلى العشاء في شهادة الزور وأحكامها فلا استوفاها ووضحها وبينها أعظم بيان وأذن العشاء، سأله طالب من الطالب، قال: يا شيخ ما هي شهادة الزور بعد البيان هذا كله، فقال له: ماذا تحمل من شهادة؟ قال: أحمل شهادة كلية الشريعة، قال: هذه شهادة زور، هذه شهادة الزور التي أعطوك إياها.
يا عباد الله هذه الشهادات اليوم العليا والدنيا غرت كثيراً من الناس ألقاب مملكة في غير موضعها كالهر يحكي انتفاخاً صولة الأسد مما يزهدني في أرض أندلس أسماء معتمرٍ فيها ومعتضد، الدكتور والشيخ والعالم، وحامل الشهادة الفلانية وليس معه من العلم شيء، لو سألته عن صحيح البخاري بل عن عمدة الأحكام لأخفق في ذلك هذه شهادات زور تغر الناس يجترئون بها على الفتوى وعلى القضاء وعلى قول على الله بغير علم.
فيا عباد الله العاقل لا يغتر بالألقاب وبالمظاهر، العاقل ينظر في الحقائق، فيا عباد الله تذكروا قول الله تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}[ق:18].
وقول الله تعالى: { فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ}[الحج:30]، {حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ}، لا تشهدوا لمشركٍ بالإسلام ولا تلتمسوا له الأعذار، لا تشهدوا لمبتدعٍ بالإمامة، ولا بالعلم المطلق وإنما بعلم مقيد مع وصية وحذر، لا تشهدوا لفاسق، احذروا على أنفسكم فإن من عد كلامه من عمله قل كلامه، إلا فيما يعنيه وفيما سيؤاخذ عليه.
قال الله: {وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا}[الفرقان:72].
اللهم اعصم قلوبنا وأعصم ألسنتنا وأعصم جوارحنا يا رب العالمين، اللهم نبرأ إليك من شهادات الزور، اللهم خذ بنواصينا إلى البر والتقوى، اللهم أصلح فساد قلوبنا، اللهم أهدي ألسنتنا وسددها يا رب العالمين، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم ارزقنا العافية في الدنيا والآخرة ولا تكلنا لأنفسنا طرفة عين وأحينا على الإسلام والسنة وأمتنا عليها يا رب العالمين أنت مولانا وحسبنا ونعم الوكيل.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم استغفروه والهجوا إليه بالدعاء والاستغفار في هذه اللحظات المباركة إن ربي قريبٌ مجيب.


لتحميل الخطبة:


http://alamralawal.com/ressources/khotba/193.RA

http://alamralawal.com/ressources/khotba/193.mp3

التفريغ:

http://alamralawal.com/ressources/khotba/193.doc