سنة تنظيف الصف
للإستماع والحفظ:

http://www.alamralawal.com/include/khotbapopup.php?id=209

الخطبة الأولى

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِي الله فلا مضل له، ومن يضل فلا هادِي له.


وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وسلم تسليمًا كثيرا.


أما بعد:

عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، اعلموا أن الدنيا عرض حاضر يأكل منه البر والفاجر وهي متاع إلى حين استخلفكم فيها ربكم بعد قرون قد مضت لينظر كيف تعملون ثم أنت بعدهم راحلون، فيا عباد الله يا معاشر العقلاء: اعدوا من حياتكم لمماتكم ومن صحتكم لمرضكم ومن شبابكم لهرمكم ومن فراغكم لشغلكم واحذروا أن تمنوا على الله الأماني.


ثم اعلموا أن أحسن الكلام كلام الله، وأحسن الهدي هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، و أن شر الأمور محدثاتها وأن كل محدثة بدعة وأن كل بدعة ضلالة.


يا أهل التوحيد، يا أهل الإسلام: كم في حكم الله من عجائب يحار فيها أولو الألباب؟ إن ربنا هو الحكيم وهو الخبير - جل وعلا -، ومن حكمته الباهرة أنه يأمرنا بأن نعتصم بحبل الله جميعا ولا نتفرق والمقصود بذلك من اعتصموا بحبل الله واستسلموا لأمر الله، ومن حكمته الباهرة أيضًا أنه إذا أمرنا بوحدة الصف فإنما يريد ربنا - جل وعلا - الصف النظيف، صف الأصحاء جماعة القلوب أهل التوحيد، هؤلاء الذين يعتصمون بحبل الله ولا يتفرقوا ما دامت قد جمعتهم كلمة التوحيد.


وأما صف الأخلاط من الأصحاء والمرضى فإن الله لا يأمرنا أن نغضي على دمن، وإنما يبتلينا سبحانه وتعالى بزلازل وفتن ومحن حتى يمضي سنته الباهرة، وهي سنة التنظيف حتى يبقى الصف النظيف، يبقى صف الأصحاء لأن الصف المخلط ولو كان كثيرا يكون بطيء الحركة ضعيف التأثير والصف الصحيح ولو كان عددهم عشر معشار أولئك يكونون أنفع بإذن الله وأكثر تأثيرا، كالجسم تماما إذا كثرت في الأخلاط الرديئة كثر مرضه وتباطأت حركته وضعف تأثيره حتى تخرج هذه الأخلاط، وأيضا عباد الله فإن صف الأخلاط سيشغل الأصحاء بهؤلاء المرضى الذين معهم في الصف، فيصرفوا كل جهودهم في هؤلاء، يدارونهم ويسترون عليهم ويتألفونهم ويتقربون منهم ولا يعلمون أنهم بعيدون عن الحق والله يعلم ولكن سنة الله الباهرة في هذا التنظيف.


قال الله: ﴿ مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ ﴾ ، يا لها من سنة تحار فيها أولي الألباب، ﴿ مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ ﴾ ما كان الله ليقول لكم هذا صحيح وهذا مريض بمقتضى الغيب ولكن بما يظهر منه عند هذه الزلازل ﴿ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ﴾ [آل عمران/179]. استسلموا تصحوا، أسلموا تسلموا، ولم يفلح في هذا الدين إلا من استسلم وانقاد ولذلك اختار الله لنا اسم المسلمين، هو سماكم المسلمين من قبل أي المستسلمين المنقادين، من كان عنده منازعة في أمر لم يبلغه عقله الضعيف فما استسلم، وقال الله في هذه السنة أيضا وأنها تجري على كل الرسل والأمم، قال الله: ﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا ﴾ والزلزلة عند العرب التحريك العنيف، لا بد أن يحرك الصف تحريكا عنيفا حتى يتساقط المرضى ويصح ويشب ويقوى، يا لها من حكمة ﴿ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ﴾ هؤلاء الأصحاء القلة ﴿ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ﴾ [البقرة/214].


وقال الله: ﴿ الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا" لا والله لا يتركون"أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3)﴾ وهو يعلمهم سلفا جل ربنا وتقدس ولكنه يظهرهم للعيان، هذه الزلزلة لهذه الحكمة ﴿ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ﴾ [العنكبوت/3] وقال الله مبينا أن هذا الصف يتعلق به أناس هذه الدعوات وهذه الأمور الجديدة يتعلق به أناس ليسوا في قناعة تامة، ولكنهم يظنون يستهويهم الجديد ويظنون أنهم ليس عليهم مئونة ولا تكاليف/ قال الله: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ ﴾ [الأنبياء/11]، هؤلاء لا بد لهم من الفتة حتى ينقلبوا على وجوههم ويريح المؤمنين من عنائهم وقال الله: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ ﴾ [العنكبوت/10] اللهم لك الحمد على هذه الحكمة الباهرة والسنة العظيمة، إن حكمتك ربنا تحار فيها القلوب، إنك أحكم الحاكمين وأرحم الراحمين.


يا أهل التوحيد: أكتفي بستة أمثلة سريعة من زلازل حصلت في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ليتساقط فيها المرضى ويصح فيها الصف، ثلاثة في مكة وثلاثة في المدينة، وإلا فما أكثر مما زُلزل صف النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه وحُرك تحريكا عنيفا حتى يقوى ويصح ويشب ويتساقط منه المرضى الذي اشغلوا أهل التوحيد بمداراتهم وأشغلوهم بالحرص عليهم والله يعلم أنهم ليسوا أهلا لذلك.


الزلزلة الأولى: تعلق بأهل التوحيد من الصحابة أناس دخلوا في الدين الجديد ولكنه لم يدخل في قلوبهم وفرح بهم الصحابة وكثر الجمع والتف الناس فأتت الزلزلة، فتنة الإسراء، سماها الله فتنة، أصبح النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يقول في مكة: البارحة ذهبت حقيقة وليس مناما إلى الشام ثم إلى السماوات السبع ثم رجعت إلى الشام ثم إلى مكة في ساعات قليلة في نفس الليلة، المسلم هو المستسلم، فأما الأصحاء كأبي بكر رضي الله عنه فإنهم لما أخبروه الخبر كان يخسف نعله فما رفع رأسه ولا تأثر، وإنما استسلم وانقاد لأنه قد صدق النبي - صلى الله عليه وسلم - في ما هو أعظم من ذلك، وكثرت الفتنة، فتنة علمية، فتنة للعقول، وأخذ المشركون يتضاحكون وقالوا: نذهب الشام في شهر ونعود في شهر وهذا يذهب في ساعة ويصعد السماوات العلى ويعود في ساعة؟ إن هذا لكذب محض وافتراء، وكانت الفتنة على هؤلاء المرضى الذين اسلموا وتعلقوا بالصف وأشغلوا المسلمين فتساقطوا وارتدوا وحصلت سنة التنظيف وظهر الصف النظيف، ثم استمرت الحياة، وبعد فترة رجع بعض هذا الصنف وتعلقوا بالمسلمين وأظهروا الإسلام وأشغلوا أهل الإسلام معهم ورفعوا الدعاوى فجاءت


الفتنة الثانية: أنزل الله أن في النار التي تأكل الحجارة وتأكل البشر أن فيها شجرة لم تحترق، شجرة تخرج في أصل الجحيم طلعها كأنه رؤوس الشياطين وهي شجرة الزقوم، فأخذ المشركون يتضاحكون ويقولون نار تحرق الحجارة والجبال ووقودها الفولاذ وقودها الحديد وقودها الناس ثم هذه الشجرة لا تحترق في وسطها؟ سمع المرضى ممن تعلق بالصف هذا الكلام فارتدوا وارتاح منهم المسلمون وأخذ أبو جهل يضحك ويقول: والله لا نعرف الزقوم إلا التمر بالزبد نتزقمه تزقما ائتينا يا جارية بتمر وزبد حتى نتزقمه فهذا هو الزقوم، فارتد من ارتد من الضعفاء الذين من مصلحة المسلمين أن ينصرفوا حتى لا يشغلوهم، يا لها من سنة، قال الله في هاتين الزلزلتين:" ﴿ وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ ﴾ أعلم بأهوائهم وبعقولهم ونياتهم ونفعهم وضرهم، أحاط بالناس هو خالقهم، وأنت لم تحط بالناس ﴿ وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ ﴾ وهي رؤيا عين رؤية الإسراء ﴿ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ" شجرة الزقوم" وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا ﴾ [الإسراء/60]


بعد فترة تكاثر هؤلاء فجاءت الزلزلة الثالثة، زلزلة الغرانيق تلك الزلزلة العظيمة، قرأ - صلى الله عليه وسلم - ﴿ وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2)﴾ [النجم] ، وألقى الشيطان في قراءته: تلك الغرانيق العلا أي الملائكة وإن شفاعتهن لترجى، وهذه القصة العظيمة الني ذكر ابن تيمية إجماع السلف على الاحتجاج بها، ثم حصل ما حصل أن قال المشركون نحن لا نريد إلا هذا إثبات الشفعاء لهؤلاء، وحصلت الزلزلة وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لما أُخبر خاف ثم أنزل الله عليه الآيات وارتد من ارتد وحصلت زلزلة عظيمة في مكة بل في الحبشة ووصلهم الخبر ورجعوا ظنوا أن هؤلاء أسلموا وحصلت تلك الزلزلة العظيمة، ثم بعد ذلك أخبر الله بحكمته فيها فقال الله: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا ﴾ هذه سنة التنظيف سنة جارية على الجميع ﴿ وما أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ ﴾ أي في قراءته ﴿ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52) لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ﴾ حتى يخرجوا ويرتاح الناس منهم ﴿ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (53) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ"[الحج/54]﴾. يا لها من فتنة إلى عصرنا الحاضر كثير ممن ينتسب للعلم في التفاسير وفي الحديث وفي عصرنا وقبل عصرنا لم تبلغها عقولهم فحرفوها وهي والله حق والقرآن واضح فيها وفي الحكمة منها ﴿ وما أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ ﴾ لا بد أن يلقي الشيطان على لسانه لهذه الحكمة الباهرة.


يا عباد الله: لن يفلح عبد في هذا الدين حتى يستسلم، حتى ينقاد وخاصة فيما لم يبلغه عقله فإن الذي ابتلى جوارحه يبتلي عقله لينظر كيف تتصرف، هل تستسلم وتنقاد أم لا؟ في عصرنا بعض الناس لم تبلغ عقولهم أن الذي لم يأتيه نذير مشرك ؛لأنه فعل الشرك بدون دليل ما أنزل الله بها من سلطان، فذهبوا يتمحلون ويذهبون للأعذار، ألا يستسلم؟


أليس القرآن واضح أن هذا مشرك؟ بعضهم لم تبلغ عقولهم أن ترك الصلاة شرك، يقولون: كيف يكون شركا وهو والله شرك، ولو لم يبلغه عقله، وهكذا تأتي هذه المسائل العلمية كما في هذه الأمثلة الثلاثة كلها مسائل امتحان للعقول حتى ينظف الصف، وأما في المدينة جاءت بدر وجاء فيها النصر الباهر وتكاثر المنافقون وأهل الدنيا يظنون أن هذا الدين ليس فيه مئونة وليس فيه تكاليف وكثر المنافقون في الأنصار وأشغلوا أهل التوحيد من الأنصار من أقربائهم يتألفونهم ويتقربون إليهم ويدارونهم، أشغلوهم عما هو أنفع، فجاءت أُحد/ أُحد أيمن معركة على المسلمين، وأعظمها بركة، أُحد تلك المعركة العظيمة المزلزلة الهائلة وإن كان بعض الناس يجد منها مرارة إلا أن عواقبها أحلى من العسل، زلزلت الصف ونظفته وطهرته فصح وشب وقوي، كانوا قبل أُحد ليسوا في فتنة مع ابن سلول ومع الرسول - صلى الله عليه وسلم - حتى جاء أُحد وانسحب ابن سلول بثلث الجيش، ذهب الثلث والثلث كثير، والذين يظنون أن النصر بالأعداد يجزعون من ذهاب هذه الأعداد، ولكن ثلثين صحيحين خير من عشرة أمثالهم من الأخلاط، فوقف المنافقون، وقف الحمار عند العقبة، الآن إما صف ابن سلول وإما صف الرسول، فذهب الثلث مع ابن سلول وظهروا أمام الناس وانفضحوا حتى أمام أقاربهم يا لها من حكمة، ثم منح الله النصر للمسلمين ثم أدال عليهم أهل الشرك وأهل الأوثان الأنجاس والأرجاس ذلك الوقت أدالهم على الرسول أطهر خلق الله ومكنهم منهم وذلك لحكمة عظيمة ذكرها الله في سورة آل عمران بآيات تأخذ بالألباب لو كنا نفهمها وننزلها على واقعنا.


قال الله: ﴿إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾ [آل عمران/140] ﴿وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (141) أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142) وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ﴾ [آل عمران/143]إلى قوله: ﴿ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا ﴾ يعني في بدر ﴿ قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (165) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا ﴾ أي يظهرهم أمام الناس [آل عمران/167] الآيات ثم ختمهما بالآية المتقدمة من حكمة هذه المعركة: ﴿مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ [آل عمران/179]،


ثم مشت الأمور وجاءت الزلزلة الثانية زلزلة الأحزاب، قال الله: ﴿إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا (11) وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ﴾ الحمد لله تساقطوا من الصف، ظهروا على عيانهم ﴿ وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا ﴾ [الأحزاب/12] إلى آخر ما قالوا حتى قال الله: ﴿ يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا (20) لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21)﴾ وأما الأصحاء فازدادوا صحة.


قال الله: ﴿وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا (22) مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23) لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (24) وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا﴾ [الأحزاب/25] ثم مشت الأمور وجاءت زلزلة حنين ثم قبيل وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - جاءت زلزلة تبوك في شدة الحر وفي طيب الثمار والظلال يؤمرون أن يذهبوا في هذا الهجير إلى عدو بعيد شديد البأس بني الأصفر، فكانت زلزلة عظيمة قصها الله في سورة التوبة سورة براءة المقشقشة الفاضحة المبينة، ومنهم ومنهم ومنهم حتى صح الصف ونظف، يا لها من حكمة لو وعتها القلوب ولم تتعلق بالأعداد، ثم عهد الصديق كله زلزلة كثر العرب في آخر عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وفرح الناس بالأعداد الهائلة حتى بلغ الحجاج مائة ألف فجاءت فترة الصديق كلها زلزلة حتى صفا الصف ثم مقتل عثمان ثم هكذا، ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه، في وقت الإمام أحمد كله زلزلة، زلزلة هائلة حتى صح صف أهل التوحيد والسنة، في وقت الإمام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - سلط الله على أهل التوحيد الخُلص الباطنية، الإسماعيلية شرار الخلق في وقعة الحائر فقتلوا منهم أربع مائة من أهل التوحيد وغنموا أموالهم وهي حكمة بالغة حتى ينظف الصف، فيا عباد الله: تفقهوا في حكم الله وكما قال الإمام المجدد شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب: كل ما عرض لك إشكال فارجع إلى أسماء الله الحسنى وصفاته العلى وتدبرها ينحل عنك الإشكال.


تدبر قول الله: ﴿ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (46)﴾، تدبر اسمه الحكيم واسمه العليم والخبير والرؤوف والرحيم وكل أسمائه الحسنى، كل إشكال يطرأ على عقلك أو على قلبك في هذه الدنيا فالجأ إلى أسماء الله الحسنى وصفاته العلى ينحل عنك الإشكال وإلى كتابه.


اللهم فقهنا في كتابك، اللهم فقهنا في كتابك، اللهم ارزقنا وحدة الكلمة على كلمة التوحيد، اللهم ارزقنا الاعتصام بحبلك المتين وارزقنا الصف النظيف لأهل التوحيد، اللهم من أراد إشغال أهل التوحيد فأظهره بزلزلة تريح أهل الإسلام منه يا رب العالمين، اللهم إنها حكمتك الباهرة ونحن قد آمنا بك وأسلمنا واستسلمنا ونرجو أن تزيدنا إسلاما وإيمانا وتصديقا وما لم تبلغه عقولنا نؤمن به وننقاد إليك يا رب العالمين يا حي يا قيوم أنت مولانا نعم المولى أنت ونعم النصير وحسبنا الله ونعم الوكيل، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.