بسم الله الرحمن الرحيم
[قراءة المتن]:
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
قال - أثابه الله تعالى ورحمه -:
باب جَامِعِ الْوُضُوءِ
(53)- [71] حَدَّثَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - سُئِلَ عَنِ الاستطابة، فَقَالَ: أَوَلَا يَجِدُ أَحَدُكُمْ بثَلَاثَةَ أَحْجَارٍ؟
[الشرح]:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين:
هذا جامع الوضوء الباب، وتقدم أن معنى الجامع عند مالك يعني المتفرقات إذا أراد أن يختم الباب كما تقدم في جامع الوقوت جامع الوضوء يعني مقصوده أحاديث متفرقة يختم بها الباب.
وقبل أن نذكر الحدي هذا نشير إلى تعليق لبشار عواد المحقق، الحاشية الثانية عند قول الصحابة أعراقية قال معناه: يعني أبالعراق استفدت هذا العلم. هذا ما فيه شك أنه غير مراد نهائيا ولكن لأن المحقق نفسه عراقي دكتور بشار هذا وأظن ختى أنه غير ملتحي ولا مهتم بالعلم لكن يعني باحث فقط، ومراد الصحابة ليس أبالعراق استفدت هذا العلم، مراد الصحابة أطريقة عراقية أو صفة عراقية ذم وليست مدح كما قلبها هو.
هذا الحديث من طريق ((هشام بن عروة بن الزبير عن أبيه)): يعني مرسل،
((أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سُئِلَ عَنِ الاستطابة، فَقَالَ: أَوَلَا يَجِدُ أَحَدُكُمْ بثَلَاثَةَ أَحْجَارٍ؟)): الاستطابة يعني الإستجمار سميت استطابة لأنها تطيب بها النفس بالطهارة
وهذا في موضعه في التمهيد في باب هشام بن عروة موضعه في التمهيد في [الجزء الثاني والعشرين صفحة(307)،]
والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول في هذا الحديث الطويل يعني بسياقته الطويلة قال: (إنما أنا لكم مثل الوالد أعلمكم)، يعني ولا أستحي من تعليمكم، النبي - صلى الله عليه وسلم - لنا مثل الوالد، هو أب لنا، فأخذ يعلمهم هذه الأشياء الدقيقة حتى في آداب الاستطابة وآداب الوضوء.
والعلماء أهل الحديث مختلفين في هذا:
فمذهب مالك: أن الاستجمار يجزئ بأقل من ثلاثة أحجار يجزئ لو بحجر واحد؛ لحديث (من استجمر فليوتر): والوتر عنده أقله واحد، عند مالك أنه يجزئ ولو بحجر واحد، ولكن يستحسن بثلاثة أو أكثر.
وأما مذهب الشافعي وأحمد: من أهل الحديث فإنهم يقولون لا يجزئ بأقل من ثلاثة أحجار لأحاديث عندهم ليست عند مالك وأعظمها وأشهرها حديث سلمان الفارسي: (أن اليهودي قال لسلمان أن بنيكم علمكم كل شيء حتى الخراءة)، يعني حتى آداب الاستطابة فقال (نعم: نهانا أن نستجمر بأقل من ثلاثة أحجار نهانا بأقل من ثلاثة أحجار، وأن نستجمر برجيع دابة أو بعظم) إلى آخر الحديث في الصحيحين
وما في شك أن المذهب الثاني هو الأصوب وانه لا يجزئ الاستجمار بأقل من ثلاث مرات، ثلاث أحجار أفضل وإن كان حجرا كبيرا بثلاث شعب.
[قراءة المتن]:
(54)- [72] حَدَّثَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ إِلَى الْمَقْبُرَةِ، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَإِنَّا بِكُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَاحِقُونَ،
وَدِدْتُ أَنِّي قَدْ رَأَيْتُ إِخْوَانَنَا قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَسْنَا بِإِخْوَانِكَ؟ قَالَ: بَلْ أَنْتُمْ أَصْحَابِي، وَإِخْوَانُنَا الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ، وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَعْرِفُ مَنْ يَأْتِي بَعْدَكَ مِنْ أُمَّتِكَ؟ قَالَ: أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ لِرَجُلٍ خَيْلٌ غُرٌّ، مُحَجَّلَةٌ فِي خَيْلٍ دُهْمٍ بُهْمٍ، أَلَا يَعْرِفُ خَيْلَهُ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَإِنَّهُمْ يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنَ الْوُضُوءِ، وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ، فَلَا يُذَادَنَّ رِجَالٌ عَنْ حَوْضِي كَمَا يُذَادُ الْبَعِيرُ الضَّالُّ، أُنَادِيهِمْ أَلَا هَلُمَّ، أَلَا هَلُمَّ، أَلَا هَلُمَّ، فَيُقَالُ: إِنَّهُمْ قَدْ بَدَّلُوا بَعْدَكَ، فَأَقُولُ: فَسُحْقًا، فَسُحْقًا، فَسُحْقًا
[الشرح]:
[هذا الحديث في التمهيد في الجزء العشرين صفحة (238)].
وهو حديث عظيم من طريق ((الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ)): مولى الحلقة الجهني،
((عَنْ أَبِيهِ)): عبد الرحمن هذا الرجل الصالح،
((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ)): وفي الصحيحين من هذا الطريق
((أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ إِلَى الْمَقْبُرَةِ)):، وفي هذا، هذه السنة المتروكة المهجورة وهي سنة زيارة المقابر وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد نهى عن زيارة المقابر ثم أذن فقال (زوروها فإنها تذكركم الآخرة)، من الذي يذهب اليوم للمقابر في غير إتباع الجنائز؟ يذهب للمقابر بقصد الزيارة والاتعاظ لأن إذا كان يتبع جنازة قد يكون مشغول بالدفن أو مشغول مع الناس لكن يذهب زيارة للمقبرة الزيارة الشرعية وينظر في المصير الذي ينتظره في أي لحظة فإنها تذكر الآخرة كلما انغمس الإنسان في الدنيا وزار المقابر عرف أن الدنيا متاع زائل، ولذلك كان - صلى الله عليه وسلم - دائما ما المقابر، يزور البقيع، دائما في الليل في النهار ويزور شهداء أُحد.
والصحابة كذلك زار علي - رضي الله عنه - المقابر ويروى أيضا عن عمر أنه قال: يا أهل المقابر (يا أهل القبور: أتريدون أن نخبركم بأخبارنا؟ أما نساؤكم فقد تزوجن وأما أموالكم فقد قسمت وأما أولادكم فقد نسوكم وأما الدنيا فقد مضت من دونكم ما افتقدكم، هذه هي أخبارنا فما أخباركم؟ ثم سكت وقال: أما والله لو أجابوا لقالوا: تزودوا فإن خير الزاد التقوى).
ويروى أيضا عن ثابت البناني: (أنه صلى ركعتين ثم دخل المقبرة وزارها فسمع من يقول له يا ثابت لا يغرنك سكوتنا فإن من ورائنا نبأ عظيم أنت عنه غافلون)، تظنون أن هذه القبور أنها صمت وسكوت فيغركم وما تدرون ماذا تحتها من نعيم أو جحيم شقاء أو سعادة وكل إنسان سيواجه هذا المصير لوحده لا نعرف أحد من بني آدم تبرع آدمي آخر ودخل معه في القبر وآنس وحشته فيه ما يعرف آدمي دخل معه آدمي، إنما كل إنسان يواجه هذا المصير لوحده وهو يرتقي به الليلة وغدا:
فما بين من هاب المنية منكم *** وما بيننا إلا ليال قلائل
الذي يعيش ينتظر أيام قلائل ثم يلحق بالآخر، الزيارة نافعة عظيمة وهي تلين القلوب.
وفيه أيضا من الفوائد:
هل هذا الدعاء عند الزيارة المقصودة أو عند المرور؟
اليوم قد تمر على المقبرة مرورا وقد تكون في سيارتك قد تكون فوق الجسر ورأيت القبور عن يمينك وأنت لم تقصد الزيارة إنما مار على الطريق فهل يشرع لك أن تقول هذا الدعاء؟ حتى لو كنت على ظهر الطريق وأنت لم تقصد الزيارة أو أن هذا الدعاء خاص بمن زار وقصد؟
والثاني أقرب، أنه إذا خرج للزيارة يقول لهم إذا دخل عليهم في المقبرة يسلم عليهم: (السلام عليم دار قوم مؤمنين)، وأما إذا كنت مار مرور على سيارتك ولا على قدميك ولم تقصد الزيارة فما أعرف إن في دليل على أنك تسلم عليهم أو تقول هذا الدعاء المخصوص هذا.
((السلام عليكم دار قوم مؤمنين)): يعني مسلمين في الظاهر لأن هذه مقابر مسلمين ليست مقابر اليهود ولا نصارى والإيمان يأتي بمعنى الإسلام والإسلام يأتي بمعنى الإيمان، هنا لا يقصد الإيمان المخصوص، يقصد الإسلام، وهذا يحصل كثيرا في القرآن يطلق المؤمن ويراد به المسلم ظاهرا.
((وإنا بكم إن شاء الله لاحقون)): نحن سنلحق بكم قطعا، ولذلك المشيئة هنا ما على التحقيق فقط وليست المراد بها الاستثناء ولذلك استدل بها أهل السنة على الاستثناء في الإيمان أن تقول أنا مؤمن إن شاء الله، بمعنى على العاقبة ما أدري، فلما قيل الإمام أحمد هذا شك ؟ هذا ليس بشك، ثم استدل بهذا الحديث، كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: (وإنا بكم إن شاء الله لاحقون)، ونحن لا نشك أنا سنلحق بهم، وقال تعالى: ﴿ لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ ﴾ مع إنها رؤيا نبي وصدقها الله ومع ذلك قال إن شاء الله، فقد ترد هذه ليست على الشك وإنما على التحقيق أو تعليق الأمور كلها بيد الله - عز وجل - لأن كل شيء بأمره ومشيئته،(( وإنا بكم إن شاء الله لاحقون)):.
وقيل أن مرادها تعليق المشيئة على البقعة، يعني وإنا سنلحق بكم في هذه البقعة إن شاء الله، يكون إن أريد به التعليق على البقعة نفسها على المكان لأن ما تدري نفس بأي أرض تموت.
ثم قال - صلى الله عليه وسلم -: ((وَدِدْتُ أَنِّي قَدْ رَأَيْتُ إِخْوَانَنَا)):، وفي لفظ قال إخواني
فَقَال الصحابة: ((يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَسْنَا بِإِخْوَانِكَ؟ قَالَ: بَلْ أَنْتُمْ أَصْحَابِي، وَإِخْوَانُنَا الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ)):، هذا فضل عظيم لمن تمسك بالسنة في آخر الزمان هو أخ للنبي - صلى الله عليه وسلم - وإن كان تابع له، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يتمنى وفي لفظ أنه قال: (والله إني أشتاق أن أرى إخواني فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَسْنَا بِإِخْوَانِكَ؟ قَالَ: بَلْ أَنْتُمْ أَصْحَابِي، إخواني قوم يأتون في آخر الزمان يود احدهم لو أن رآني بأهله وماله)، يعني لو يخير بأن يذهب أهله وماله وبين أن يرى النبي - صلى الله عليه وسلم - لاختار أن يذهب أهله وماله ويرى النبي - صلى الله عليه وسلم - من شدة محبته له وإتباعه لسنته وتعلقه به.
وما في شك أن لهؤلاء فضل عظيم، ولذلك لما شرح سفيان بن عيينة هذا الحديث قال: تفسير هذا الحديث بيِّن قالوا: كيف يا أبا محمد؟ قال: إن الله - عز وجل - قال للصحابة: ﴿ وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ ﴾ [آل عمران:101] يعني الصحابة - رضي الله عنهم - مع عظم فضلهم لكن أيضا الله أيدهم بمؤيدات فهم يرون الوحي ينزل والرسول - صلى الله عليه وسلم - بين أظهرهم ولكن يأتي قوم في آخر الزمان يؤمنون بالنبي - صلى الله عليه وسلم - كأنهم رأوه رأي العين وهم ما رأوه إنما إيمان بالغيب وتصديق فقط، هؤلاء إيمانهم عظيم.
ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم - لما تكلم عن الغرفات قال: (إن أهل الجنة يتراءون أهل الغرف كما تتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق أو من المغرب) يعني من أبعد ما ترى النجوم فقالوا: (يا رسول الله تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم، قال: بلى والذي نفسي بيده رجالا آمنوا بالله وصدقوا المرسلين)، هؤلاء هم أهل الغرفات إيمان مخصوص وتصديق مخصوص، إيمان حقيقي، هؤلاء هم إخوان النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي يشتاق أن يراهم ويود أن يراهم وهم أيضا يشتاقون أن يروه ولو بأموالهم وأهليهم، نسأل الله أن يجعلنا منهم جميعا.و
وهؤلاء قال فيهم النبي - صلى الله عليه وسلم - كان عند [أبي داود الطيالسي] قال: (أتدرون من أفضل الناس إيمانا؟ قالوا: من، قال: هؤلاء الذي يأتون فيما بعد يود أحدهم لو يراني بأهله وماله).
وهذا لا يعارض حديث ( خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ):
فإن حديث خير القرون فيه تفضيل أجيال وهذا فيه تفضيل أشخاص أما الجيل بكامله خير القرون القرن الأول قرن الصحابة ثم القرن الذي يليه ثم القرن الذي يليه، ولا يعني هذا أن كل واحد في ذلك القرن فاضل، قرن الصحابة فيه منافقين وفيه فساق لكن بمجمل القرن لا يمر على أمة محمد مثل القرن الأول بمجملهم في عبادتهم وديانتهم وعلمهم، ثم على الترتيب القرن الثاني ثم القرن الثالث، فمن حيث القرون ما في شك القرون الأولى أفضل.
لكن يأتي أشخاص مثل أحمد بن حنبل مثل مالك مثل محمد بن عبد الوهاب أشخاص هؤلاء الأشخاص فيهم إيمان عظيم ويقين وعلم وجهاد يقومون مقام الأنبياء وهم لا يكونوا بفضل الصحابة لكنهم أمرهم عظيم والإيمان الذي يرزقهم الله إياه إيمان يكون متفرق في الناس فيجتمع في الأشخاص هؤلاء، هذا من أحسن الجمع.
وأيضا الحديث الآخر الذي يقول: (أمتي كالمطر لا يدرى خيره في أوله أو في آخره):
اجتهد العلماء في الجمع بين الحديث هذا وحديث القرون وذكر ابن عبد البر أوجه كثيرة في الجمع، لكن ما أصاب الوجه الصحيح والوجه الصحيح ذكره ابن قتيبة في [تأويل مختلف الحديث]، وهو أن هذا من أساليب العرب تقول والله ما أدري فلان أطيب ولا أبوه، والده تدري أن والده أفضل منه لكن قصدك تفضيل الولد فتقول والله أنهم تشابه علي ما أدري هو أفضل ولا أبوه؟، يعني من باب أنهم تقاربوا وإن كنت تعتقد أن هذا أفضل، هذه طريقتهم، كما تقول العالم جليل مثل الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأتاه أبناء علماء فتقول ما شاء الله على أبناء الشيخ ما ندري هم أطيب ولا أبوهم، معنى الناس أنهم ما يقرون أن أبوهم أطيب منهم لكن قصدك هذا، هكذا الحديث فهم العرب كيف تتكلم، (أمتي كالمطر لا يدرى خيره في أوله أو في آخره)، قطعا الخير الذي في أولها أفضل من الخير الذي في آخرها، لكن أيضا من باب العناية ولفت الأنظار لآخره يقول هذا الكلام.
وقال: ((وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ)): والفرط هو للسابق دائما، مثل تقول ولدك إذا مات وهو صغير تقول هذا فرط يعني سبق، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - يسبق أمته على الحوض.
((فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَعْرِفُ مَنْ يَأْتِي بَعْدَكَ مِنْ أُمَّتِكَ؟)): وهو - صلى الله عليه وسلم - قد أخبرهم (أن هذه الأمة في الأمم كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود)، (وكالشعرة السوداء في جلد الثور الأبيض)، و (كالرقمة في ذراع الحمار)، يعني شعرة في جلد ثور أسود حتى ما نغتر اليوم نقول العالم الإسلام والمليار مسلم هو - صلى الله عليه وسلم - يقول أمتي أمتي الحقيقين كالشعرة البيضاء في جلد الثور السود، الآن لو في هذه البلاد ما فيها شرك ظاهر لو نخرج أهل البدع المكفرة مثل الروافض والمتصوفة والباطنية وغيرهم ونحرج تراك الصلاة يبقى أمته نسبة معقولة لا تظن كلها هؤلاء الإسلام ليس بالتحلي ولا بالتمني ولا بالهوية ولا بالاسم الإسلام الحقيقي كما سنقرأ اليوم في كلام الشيخ.
فقالوا لما أخبرهم أن أمته كالشعرة في جلد الثور الأسود أو كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود قالوا كيف تعرف أمتك ؟.....مليارات من البشر كيف تعرف أمتك من بين الأمم؟
فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ لِرَجُلٍ خَيْلٌ غُرٌّ، مُحَجَّلَةٌ)): يعني فيها بياض في الوجه وفي الأطراف الأيدي والأرجل
((فِي خَيْلٍ دُهْمٍ بُهْمٍ))، ما فيه لا غر ولا تحجيل ((أَلَا يَعْرِفُ خَيْلَهُ؟)): يميز خيله؟
((قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَإِنَّهُمْ يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنَ الْوُضُوءِ)):
هذا فيه:
أولا: دليل على تكفير تارك الصلاة لأن الذي لا يصلي لا يتوضأ والذي لا يتوضأ هل يكون من الغر المحجلين ولا من البهم الدهم؟ يكون من البهم الدهم، من الأمم الأخرى ليس من أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - هذا من أوضح الأدلة على كفر تارك الصلاة وأنه يكون من البهم الدهم، وإن قال قائل لو توضأ مرة في حياته يكون هذا؟ نقول هذا ما فهمه أحد من أصحاب محمد، ما فهم هذا الفهم،
الأمر الآخر من فوائد هذا الكلام: فيه دليل على أن وضوء الأمم التي قبلنا يختلف عن وضوئنا، هو الآن ميز وضوئنا بالغرة والتحجيل يعني أطراف الأيدي والأرجل والوجه، فهذا يفهم منه أن من قبلنا كانوا يتوضئون لكن الله أعلم يكون لهم وضوء آخر، وهذا ذكر بعض العلماء فيه آثار تؤيد هذا وبعضهم قال لا، لكن هذه ميزة يميز الله بها هذه الأمة الوضوء وضوئهم يجعله نور وعلامة بحيث يعرفون به بين الأمم، وإلا فبعضهم فهم منه أن الآخرين بهم دهم، وأنهم تعرفهم أنبياؤهم بعلامات غير هذه العلامة.
ثم قال - صلى الله عليه وسلم - ((وأنا فرطهم على الحوض)): كررها مرة أخرى.
ثم قال: ((فَلَا يُذَادَنَّ رِجَالٌ عَنْ حَوْضِي)): إما أن تأتي على النهي يعني: انتبهوا لا يطرد أحد عن حوضي حذرتكم وأما أن تكزن للتأكيد ((فَلَا يُذَادَنَّ)): بدون ألف ((فَلَا يُذَادَنَّ رِجَالٌ عَنْ حَوْضِي)): كل هذا وارد هكذا وهكذا.
((فَلَا يُذَادَنَّ رِجَالٌ عَنْ حَوْضِ كَمَا يُذَادُ الْبَعِيرُ الضَّالُّ)): اليوم لو واحد من أهل البادية وضع له حوض يسقي إبله وجاءت الإبل الهمل يطرد الإبل الهمل حتى ما تضايق إبله، وكذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا جاء أحد هو من هذه الأمة ولكنه بدل كما سيقول يطرد عن حوضه مع إنه يعرف أنه من هذه الأمة بالعلامة.
قال: ((أُنَادِيهِمْ أَلَا هَلُمَّ، أَلَا هَلُمَّ، أَلَا هَلُمَّ)): يعني معناها أنه عرف العلامة فيهم أنهم من أهل الوضوء لكن جاء مانع يمنعهم من الشرب من الحوض نسأل الله العافية والسلامة،
((فَيُقَالُ: إِنَّهُمْ قَدْ بَدَّلُوا بَعْدَكَ)): وهذه خطورة التبديل، ما قال عصوا، أهل الوضوء يعصون أيضا لكن الخطورة في التبديل ولفظ أنك (لا تدري ما أحدثوا بعدك)، معناه أن أهل البدع وأهل تبديل الدين وأهل الحيل وأهل الإحداث هم أقرب الناس أن يطردوا عن الحوض نسأل الله العافية، والحوض هو في أرض العرصات ليس في الجنة هو في العرصات في أرض المحشر،
((فَأَقُولُ: فَسُحْقًا، فَسُحْقًا، فَسُحْقًا)): نسأل الله العافية.
فتكلم ابن عبد البر في [التمهيد الجزء العشرين صفحة (262)] تكلم كلام حسن عن هؤلاء المطرودين وأجناسهم قال: منهم أهل البدع ومنهم أيضا المعلنين في الفجور والمعاصي ظاهرا وباطنا وغير مستترين بها وخاصة وعد منهم الجهمية والقدرية والروافض على القول بأنهم من هذه الأمة والصحيح أن الروافض ليسوا من هذه الأمة كما قال ابن المبارك وغيره.
هذا فيه خطورة الحديث سبحان الله العظيم الحديث هذا عجيب فيه مدح لأهل الحديث وأهل السنة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يشتاق إليهم ويقول هم إخواني هم أقرب الناس لي ويقول أشتاق أن أراهم، شوف في أول الحديث يمدح أهل الحديث والسنة في آخر الحديث يذم أهل البدع وأنهم يطردون عن الحوض وأنهم بدلوا وأنهم أحدثوا وأنهم غيروا لعبوا في الدين بأهوائهم، ففي حديث واحد ذكر الطائفتين الفرقة الناجية والطوائف الأخرى الهالكة.
((فَأَقُولُ: فَسُحْقًا، فَسُحْقًا، فَسُحْقًا)): السحق عند العرب يعني البعد ومنه السحيق يعني البعيد، سحقا يعني بعدا لهم
[قراءة المتن]:
(55)- [73] حَدَّثَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حُمْرَانَ مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، أَنَّ عُثْمَانَ: جَلَسَ عَلَى الْمَقَاعِدِ، فَجَاءَه الْمُؤَذِّنُ فَآذَنَهُ بِصَلَاةِ الْعَصْرِ، فَدَعَا بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهِ لَأُحَدِّثَنَّكُمْ حَدِيثًا لَوْلَا آية فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا حَدَّثْتُكُمُوهُ، ثُمَّ قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: مَا مِنَ امْرِئٍ يَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهُ، ثُمَّ يُصَلِّي الصَّلَاةَ، إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّلَاةِ الْأُخْرَى، حَتَّى يُصَلِّيَهَا، قَالَ مَالِك: أُرَاهُ يُرِيدُ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿ وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ ﴾ [هود:114]
[الشرح]:
نعم هذا الحديث السادس والسبعين في الموطأ هو شيخ مالك فيه ((هشام بن عروة بن الزبير)): رجل صالح الذي جمع كثير من العلم وعن أبي عروة عن حمران.
((حمران)): هذا مولى عثمان بن عفان، يقال أن هؤلاء أول سبي قدموا المدينة في خلافة الصديق، أول سبي قدم المدينة في خلافة الصديق أول دفعة من المماليك الذين يتملكهم أهل الإسلام بالجهاد في سبيل الله، وهذا من سبي عين التمر، عين التمر في العراق، فلما رآه الصديق كان رجلا أحمر وسيما كيسا فطنا مختونا يعني وإن كان من أمم أخرى ولكنه مختون قال: هذا يصلح لعثمان، فأرسله لعثمان، فكان كما تفرس الصديق كما قال ابن مسعود: (وأعظم الناس فراسة الصديق لما تفرس في عمر واستخلفه، والمرأة ابنة صاحب شعيب لما قالت لأبيها تقصد موسى يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين).
الصديق صاحب فراسة ولذلك كان حمران هذا فعلا أثنى عليه العلماء ثناءا عاطرا، ولزم عثمان ونقل عنه علم ومن ذلك هذا الحديث.
((أن عثمان جلس على المقاعد)):، والمقاعد هي دكات حول المسجد، الدكات هذه حول المسجد والله أعلم أنها من عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - أو مكانها لأن عثمان قال: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قعد في مقعدي هذا، فالدكات هذه قديمة يعني مثل الدرج يجلسون الناس عليه حول المسجد.
قال: ((فَجَاءَه الْمُؤَذِّنُ فَآذَنَهُ بِصَلَاةِ الْعَصْرِ، فَدَعَا بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ)):، يتقدم حديث عبد الله بن زيد في صفة الوضوء وحديث حمران أيضا من الأصول في باب الوضوء وصف فيه وضوء النبي - صلى الله عليه وسلم - وصفا بليغا.
((ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهِ لَأُحَدِّثَنَّكُمْ حَدِيثًا)):، يقوله عثمان - رضي الله عنه -
((لَوْلَا آية فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا حدثتكموه)):، هذه الآية اختلف فيها أهل العلم:
قال مالك: كما سمعتم قال: ((أراه)): يعني أظنه يريد هذه الآية: ﴿ وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ﴾ [هود:114] فإن كان هذا على كلام مالك ما تكون آية يكون فيه تصحيف، ((لولا أنه في كتاب الله)):، لولا أن هذا الحديث في كتاب الله ما حدثتكموه، بمعنى لولا أن هذا الحديث يصدق القرآن ما حدثتكموه، فقال بعض أهل العلم على ترجيح كلام مالك يكون القرب للضبط: (لولا أنه في كتاب الله).
والقول الثاني: وهو قوي عند عروة بن الزبير الذي هو راوي الحديث، عزوة ليس على كلام مالك، عروة يقول المقصود بالآية آية الكتمان: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ ﴾[البقرة/160]، وهذا استدل بها أبو هريرة وغيره دائما الصحابة يقولون لولا هذه الآية ما حدثناكم كثيرا من الأحاديث لكننا نحاف من هذه الآية، ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159)إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ ﴾ [البقرة/160]، فقد يكون المراد كما قال عروة أو ما قال مالك، إن عثمان حمله على التحديث بهذا الحديث آية في كتاب الله.
قال: ((إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: مَا مِنَ امْرِئٍ يَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ وُضُوءَه)): ُ، إحسان الوضوء ليس بكثرة الصب الماء ولكن إحسان الوضوء بالإسباغ وقلة الماء وإعطاء العضو حقه من الدلك ومن الاستيعاب.
قال: ((ثُمَّ يُصَلِّي الصَّلَاةَ، إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّلَاةِ الْأُخْرَى، حَتَّى يُصَلِّيَهَا)):، ما في شك أن الصلوات الخمس مكفرات لما بينهن والعمرة إلى العمرة ورمضان إلى رمضان والوضوء أشياء كثيرة إذا اجتنت الكبائر ولذلك المراد في هذا الحديث ما سوى الكبائر، دائما أحاديث المكفرات مشروطة باجتناب الكبائر، المكفرات هذه، إلا ما جاء في حديث عمرو بن العاص، المكفرات الكبرى الأربع، فهذه لا يشترط فيها اجتناب الكبائر، تهدم الكبائر والصغائر، (وهو أن عمرو بن العاص لما أراد أن يبايع النبي - صلى الله عليه وسلم - كما في صحيح مسلم ومد النبي - صلى الله عليه وسلم - يده ليبايعه كف عمرو يده فقال مالك يا عمرو؟ قال يا رسول الله أريد أن أشترط لنفسي، قال: ما تشترط؟ قال أن يغفر لي ما قد سلف فإني فعل وفعلت، فقال: يا عمرو أما علمت أن الإسلام يجب ما قبله، وأن الهجرة تجب ما قبلها)، وهذا فيه فضل عظيم الهجرة، أنها تهدم كل ما قبلها من الكبائر والصغائر، (وأن التوبة تجب ما قبلها وأن الحج يجب ما قبله)، الإسلام والتوبة ما في شك في هذا أن يهدم كل ما قبله إنما الفضل في الحديث الذي في مسلم للحج أنه يهدم الصغائر والكبائر كما قال في الحديث (يرجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه)، والهجرة أنه يرجع من ذنوبه إذا هاجر لله، من كانت هجرته لله ورسوله وصدق في هجرته وأعطى للهجرة حقها أن يرجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه، أما باقي المكفرات العمرة ورمضان والصلوات الخمس فهذه تكفر الصغائر من اللمم إذا اجتنبت الكبائر.
((قال مالك: أراه يقصد هذه الآية: وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ)): قال بعض السلف: (لم أرى شيئا أحسن إدراكا ولا طلبا من حسنة حديثة لذنب قديم، فإنها تدرك الذنب وتمحوه)، ما في أحد يتبع شيء أحسن إدراك ولا طلب من حسنة حديثة لذنب قديم، قال - صلى الله عليه وسلم - في حديث معاذ وغيره: (اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن)، أتبع دائما السيئات الحسنات تمحوها.
[قراءة المتن]:
(56)- [74] حَدَّثَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الصُّنَابِحِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: إِذَا تَوَضَّأَ الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ فَتَمَضْمَضَ خَرَجَتِ الْخَطَايَا مِنْ فِيهِ، فَإِذَا اسْتَنْثَرَ خَرَجَتِ الْخَطَايَا مِنْ أَنْفِهِ، فَإِذَا غَسَلَ وَجْهَهُ خَرَجَتِ الْخَطَايَا مِنْ وَجْهِهِ، حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَشْفَارِ عَيْنَيْهِ، فَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَتِ الْخَطَايَا مِنْ يَدَيْهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَظْفَارِ يَدَيْهِ، فَإِذَا مَسَحَ بِرَأْسِهِ خَرَجَتِ الْخَطَايَا مِنْ رَأْسِهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ أُذُنَيْهِ، فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ خَرَجَتِ الْخَطَايَا مِنْ رِجْلَيْهِ، حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَظْفَارِ رِجْلَيْهِ قَالَ: ثُمَّ كَانَ مَشْيُهُ إِلَى الْمَسْجِدِ وَصَلَاتُهُ نَافِلَةً لَهُ
[الشرح]:
الحديث حمران قلت لكم أنه في [التمهيد في الجزء الثاني والعشرين صفحة(210)] حديث حمران الأول
وحديث الصنابحي [هذا هو في الجزء الرابع صفحة(30)]، شوف كيف التمهيد يتنقل من هنا لهنا لأنه على الشيوخ، وهذا كما تقدم إنه فيه خطأ عن مالك قال الترمذي: (سمعت محمد بن إسماعيل البخاري يقول: أخطأ مالك في الصنابحي، يسميه عبد الله الصنابحي وهو أبو عبد الله)،
((الصُّنَابِحِيّ)): هو عبد الرحمن بن عسيلة المرادي الصنابحي من أهل اليمن تقدم معنا قصته وهو أنه هاجر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما وصل إلى رابغ الجحفة قدم ركب وقالوا توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فما أدرك الصحبة، كان بينه وبين الصحبة ليلة أو ليلتين، دخل المدينة بُعيد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأدرك الصديق ومن بعده ولذلك مرسله يعتبر من أصح المراسيل لأنه أدرك الصديق والفاروق ومن بعدهم وهو رجل ثقة وإمام سكن الشام فيما بعد، فهذا أخطأ فيه الإمام مالك، هو أبو عبد الله عبد الرحمن بن عسيلة الصنابحي ولا أحد يشبهه إلا الصحابي الآخر الذي هو الصنابح بن الأعسر، هذاك اسمه الصنابح،
وقلت لكم أن هذا الصنابحي - رحمه الله - من خيار المؤمنين سمع الصديق يصلي المغرب لما قدم المدينة بُعيد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - ويقرأ في الركعة الثالثة السرية يقرأ الفاتحة وسمعه يقرأ آية آل عمران ﴿ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (8)﴾ [آل عمران:8] فيجوز في الركعة الثالثة أو الرابعة أن تقرأ آية أحيانا يجوز هذا لفعل الصديق من رواية الصنابحي، وانظر إلى خوف الصديق، الصديق الأكبر يقرأ هذه الآية يخاف أن يزيغ قلبه، ونحن نأمن، ﴿ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا ﴾.
هذا الحديث عظيم وجاء من طرق كثيرة بعضها سيأتي الآن عن طريق أبي هريرة.
فيه من الفوائد:
أن هذا الحديث أتى بأعمال الوضوء في مساق واحد:
يعني خلط الفروض بالسنن، وجاء العلماء وفرزوها، وهذا هو فائدة كتب الفقه هو هذا الفرز، هو الآن يقول ((إِذَا تَوَضَّأَ الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ فَتَمَضْمَضَ... استنثر...)): الحديث يعني فيه أشياء سنن وفيه أشياء واجبات فهذه كلها قالوا إن الفرز إنما من العلماء.
وبعض العلماء يقول لا، هذا دليل لمذهب أحمد وغيره من الأئمة الذين قالوا المضمضة والاستنشاق فرض كما تقدم الخلاف في ذلك، لأن في هذا الحديث ذكر مضمض واستنثر وغسل وجهه جعل الوضوء الذي يفعله المسلم دائما فذكر من ضمنه المضمضة والاستنشاق أو الاستنثار.
وأيضا هذا الحديث يستدل به على أن الأذنين من الرأس:
وأنها تمسح من الرأس لأنه لما ذكر مسح الرأس قال ((خَرَجَتِ الْخَطَايَا مِنْ رَأْسِهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ أُذُنَيْهِ)):، فدل على أن الأذنين من الرأس وأنها تمسح ولا تغسل.
بعض الفقهاء يقول: ما أقبل من الآذنين يغسل مع الوجه (النصف هذا) وما أدبر منهما يمسح مع الرأس وهذا ليس بشيء إنما الغسل إلى حد الأذن فقط والآذنين ممسوحة وليست مغسولة لأنها مع الرأس.
هذا الحديث إن قلت أنه يقوي مذهب أحمد لأن المضمضة والاستنثار أنها فرض كما تقدم وأن الأذنين من الرأس عند الحديث عموما، هذا قول حسن وقوي.
وإن قلت أن هذا صفة كما وصف النبي - صلى الله عليه وسلم - الصلاة ثم فرزها العلماء قالوا هذه أركان وهذه واجبات وهذه سنن، هذا أيضا قول حسن.
وهذا يا إخوان هو فائدة الفقه، فائدة الفقه هو في عملية الفرز هذه، أن يأتي لك إلى حديث كامل يقول هذه أركان وهذه واجبات وهذه سنن ولا يقول بالتشهي يقولها بالأدلة، ولذلك تبلور العلم وأصبح منظم، فمن أخذ الحديث دون أن يقرأ شيء من كتب الفقه تكون معلومات غير منظمة، يقرأ أشياء مبثوثة منثورة، لكن إذا قرأ كتاب من كتب الفقه يتنظم يعرف أن الصلاة أركان والركن له حكم والواجب له حكم والسنة لها حكم فتنتظم أموره في ذهنه، ويكون اعتماده على الحديث.
قال: ((إذا مَضْمَضَ خَرَجَتِ الْخَطَايَا مِنْ فِيهِ)):،والمقصود أيضا دون الكبائر يعني مثل الغيبة ما تخرج، الغيبة ما تخرج لأنها كبيرة، النميمة ما تخرج الكذب ما يخرج، إنما اللمم مثل الأشياء التي دون ذلك.
قال: ((وَإِذَا اسْتَنْثَرَ خَرَجَتِ الْخَطَايَا مِنْ أَنْفِهِ)):، هذا فضل عظيم، وأيضا المقصود بالخطايا هنا الخطايا اللمم الذنوب الصغار.
((فَإِذَا غَسَلَ وَجْهَهُ خَرَجَتِ الْخَطَايَا مِنْ وَجْهِهِ، حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَشْفَارِ عَيْنَيْهِ)):، وهذا قد يقول أحد أن هذا إذا قلنا بهذا يستدل ابن عمر بهذا الذين قالوا بالغسل غسل العينين لأنه قال: ((مِنْ تَحْتِ أَشْفَارِ عَيْنَيْهِ)): نقول المراد من الوجه يعني وأما غسل العينين من الداخل ما ذكر إلا ابن عمر حتى أضر ببصره في آخر حياته كان يغسل وجهه كله بما فيه حدقة العين وهذا لم يذكر إلا عنه - رضي الله عنه -.
((فَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَتِ الْخَطَايَا مِنْ يَدَيْهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَظْفَارِ يَدَيْهِ، فَإِذَا مَسَحَ بِرَأْسِهِ خَرَجَتِ الْخَطَايَا مِنْ رَأْسِهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ أُذُنَيْهِ)):، هنا ذكر الأذنين،
((فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ خَرَجَتِ الْخَطَايَا مِنْ رِجْلَيْهِ، حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَظْفَارِ رِجْلَيْهِ)):
قَالَ: ((ثُمَّ كَانَ)): ما دام كفر عنه هذا التكفير ((كان مَشْيُهُ إِلَى الْمَسْجِدِ وَصَلَاتُهُ نَافِلَةً لَهُ)): يعني زيادة على هذا، هذه نظفت عنه والأخرى زادت عليه، هذا فضل عظيم، ولذلك لا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن.
ترى بعض السنن نحن نظنها سهلة وهي ليست سهلة، الصحابة - رضي الله عنهم - لما سئلوا قالوا أما النبي - صلى الله عليه وسلم - فكان يتوضأ لكل صلاة، وأما نحن والله ما نطيق يقول أنس، كان أحدنا يصلي ما لم يحدث لو تجرب تحافظ على الوضوء لكل صلاة تجد أمر يحتاج مجاهدة، يحتاج رباط لكنه أمر عظيم الوضوء طهارة، إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين، ثم انظر ماذا يفعل الوضوء؟ يغسل معه الذنوب.