قال الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في الدرر(9/389):

...فلما خرجت قريش إلى بدر، خرجوا معهم كرها، فقتل بعضهم بالرمي، فلما علموا أن فلانا قتل، وفلانا قتل، وفلانا قتل، تأسفوا على ذلك، وقالوا: قتلنا إخواننا، فأنزل الله عز وجل فيهم: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً} [سورة النساء آية : 97].
فليتأمل الناصح لنفسه هذه القصة، وما أنزل الله فيها من الآيات، فإن أولئك لو تكلموا بكلام الكفر، أو فعلوا كفرا يرضون به قومهم، لم يتأسف الصحابة رضي الله عنهم على قتلهم، لأن الله بين لهم وهم بمكة، لما عذبوا بقوله تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالأِيمَانِ } [سورة النحل آية : 106].
فلو سمعوا عنهم كلاما، أو فعلا يرضون به المشركين من غير إكراه، لم يقولوا: قتلنا إخواننا، ويوضحه قوله تعالى: {فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا } [سورة النساء آية : 97] ولم يقولوا: كيف عقيدتكم؟ أو كيف فعلكم؟ بل قالوا: في أي الفريقين أنتم؟ فاعتذروا لهم: كنا مستضعفين في الأرض، فلم تكذبهم الملائكة في قولهم هذا، بل {قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا } [سورة النساء آية : 97] يوضحه إيضاحا تاما قوله: {إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً} [سورة النساء آية : 98-99].
فهذا في غاية الوضوح; فإذا كان هذا في السابقين الأولين من الصحابة، فكيف بغيرهم؟ ولا يفهم هذا إلا من فهم أن أهل الدين اليوم لا يعدونه ذنبا.
فإن فهمت ما أنزل الله فهما جيدا، وفهمت ما عند من يدعي الدين، تبين لك أمور: منها: أن الإنسان لا يستغني عن طلب العلم، فإن هذه وأمثالها لا تعرف إلا بالتنبيه، فإذا أشكلت على الصحابة قبل نزول الآية، فكيف بغيرهم؟
ومنها: أن تعرف أن الإيمان ليس كما ظنه غالب الناس اليوم، بل كما قال الحسن البصري: " ليس الإيمان بالتحلي، ولا بالتمني، ولكن ما وقر في القلوب، وصدقته الأعمال". نسأل الله أن يرزقنا علما نافعا، وأن يعيذنا من علم لا ينفع.
قال عمر بن عبد العزيز، رضي الله عنه: "يا بني، ليس الخير أن يكثر مالك وولدك، ولكن الخير: أن تعقل عن الله، ثم تطيعه ".ا.هـ