عبد الرحمن
عدد المساهمات : 3 تاريخ التسجيل : 30/10/2016
| موضوع: أهمية القلب الإثنين أكتوبر 31, 2016 9:40 am | |
| بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
القلب أمير الجسد وملك الأعضاء ، فهو راعيها الوحيد وقائدها ، وإنما الجوارح والحواس تبع له وآلات تصدع بما تؤمر ، فلا تصدر أفعالها إلا عن أمره ، ولا يستعملها في غير ما يريد ، فهي تحت سيطرته وقهره ، ومنه تكتسب الاستقامة أو الزيغ ، وبين القلب والاعضاء صلة عجيبة وتوافق غريب بحيث تسري مخالفة كل منهما فورا إلى الآخر ، فإذا زاغ البصر فلأنه مأمور ، وإذا كذب اللسان فما هو غير عبد مقهور ، وإذا سعت القدم إلى الحرام فسعي القلب أسبق ، لهذا قال صلى الله عليه وسلم عن المصلي العابث في صلاته : « لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه » ، وقال لمن يؤم من المصلين : « استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم » ، فأعمال الجوارح ثمرة لأعمال القلب ، والخلاصة : القلب هو خط الدفاع الأول والأخير ، فإذا ضعف القلب أو فسد أو استسلم انهارت الجوارح!! وفي المقابل إذا ذكر العبد ربه فلأن القلب ذَكَر ، وإذا أطلق يده بالصدقة فلأن القلب أذِن ، وإذا بكت العين فلأن القلب أمر ، فالقلب مملي الكلام على اللسان إذا نطق ، وعلى اليد إذا كتبت ، وعلى الأقدام إذا مشت ، وقد عرف النبي صلى الله عليه وسلم للقلب حقه ومكانته حتى وصفه بأنه : « مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله » ، وتوجه أول ما توجَّه إليه ليربّيه ويهتم به ويزكِّيه. فكل الأفعال مردها إلى القلب وانبعاثها من القلب ، وكل الأفعال تعني كل الأفعال ولو كانت لبس ثيابك وزينة بدنك!! وهذا ما أدركه مستودع القرآن الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود رضي الله عنه فقال : " لا يشبه الزي الزي حتى تشبه القلوب القلوب " .
هدف الحبيب الأول قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : « إنما نزل أول ما نزل منه (القرآن) سورة من الُمفصّل فيها ذكر الجنة والنار ، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام ، ولو نزل أول شيء : لا تشربوا الخمر لقالوا لا ندع الخمر أبدا ، ولو نزل : لا تزنوا لقالوا لا ندع الزنا أبدا » . فقد حرَّم الله الخمر في العام الثاني من الهجرة أي بعد البعثة بخمسة عشر سنة ، وفرض الزكاة في العام الثاني من الهجرة كذلك ، وفرض الحجاب في العام السادس من الهجرة بعد تسع عشرة سنة من بعثة النبي صلى الله عليه وسلم ، وهي كلها تكليفات تأخَّر نزولها حتى زكى القلب ولان وتمكَّن منه الحق واستبان. ولشرف القلب جعله الله أداة التعرف عليه ووسيلة الاهتداء إليه ، بل إذا غضب الله على عبد كان أقصى عقوبة يُنزلها به أن يحول بينه وبين قلبه ، وحيلولته هي أن يحرمه من معرفته وقربه ، لذا كان الاهتمام به تعبير عن الاهتمام بالأهم عن المهم وبالأصل عن الفرع. | |
|
عبد الرحمن
عدد المساهمات : 3 تاريخ التسجيل : 30/10/2016
| موضوع: رد: أهمية القلب الإثنين أكتوبر 31, 2016 9:42 am | |
| وقد أدرك الشيطان دور القلب ومكانه فلم يضيِّع وقته في معارك جانبية أو مناوشات هامشية ، بل صوَّب جهده نحو هدف واحد وغاية ثابتة. قال ابن القيِّم : " ولما علم عدو الله إبليس أن المدار على القلب والاعتماد عليه ؛ أجلب عليه بالوساوس ، وأقبل بوجوه الشهوات إليه ، وزيَّن له من الأقوال والأعمال ما يصده عن الطريق ، وأمدَّه من أسباب الغي بما يقطعه عن أسباب التوفيق ، ونصب له من المصايد والحبائل ما إن سلم من الوقوع فيها لم يسلم من أن يحصل له بها التعويق " . فالقلب هو الهدف المشترك بين الملك والشيطان ، كلاهما يستهدفه ، فهو موضع الصراع ، والنقطة الملتهبة ، وساحة القتال ، وأرض المعركة ، ونتيجة هذه المعركة : إما هداية القلب وحياته ، وإما قساوته وموته وهلاكه ، فواعجبا ممن أخذ نصيحة العدو ، وردّ وصية الحبيب ، واشترى صداقة الشيطان بعداوة الملائكة ، وأعلن الحرب على ما تبقى من إيمانه بالتعاون مع عدوه اللدود ، وهي صيحة التعجب التي سبق وأن أطلقها ابن الجوزي حين قال : " كيف طابت نفسك أن تكون ظهيرا لفئة النفس على فئة القلب ، وفئة القلب مؤمنة وفئة النفس كافرة؟! " .
عن الجوارح مختلف وقد يقول قائل : لكن الأعضاء والجوارح كذلك مستهدفة من قبل الملائكة والشياطين ، فما الفارق بينها وبين القلب؟! وأقول على لسان أبي حامد الغزالي الذي بيَّن الفارق الجلي في قوله : " العوارض له أكثر ، فإن الخواطر له كالسهام ، لا تزال تقع فيه ، وكالمطر ؛ لا تزال تُمطر عليه ليلا ونهارا لا تنقطع ، ولا أنت تقدر على منعها فتمنع ، وليس بمنزلة العين التي بين الجفنين ، تغمض وتستريح ، أو تكون في موضع خال ، أو ليل مظلم فتُكفى رؤيتها ، أو اللسان الذي هو وراء الحجابين : الأسنان والشفتين ، وأنت قادر على منعه وتسكينه ، بل القلب غرض للخواطر ، لا تقدر على منعها والتحفظ عليها بحال ، ولا هي تنقطع عنك بوقت " . | |
|
عبد الرحمن
عدد المساهمات : 3 تاريخ التسجيل : 30/10/2016
| موضوع: رد: أهمية القلب الإثنين أكتوبر 31, 2016 9:46 am | |
| والسبب الثالث في أهمية القلب أن طهارته شرط دخول الجنة ، لذا ذم الله خبثاء القلوب فقال : ﴿ أُولِئك الّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللهُ أنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ في الدُّنيا خِزْيٌ وَلَهُمْ في الآخِرَةِ عَذابٌ عَظيْمٌ ﴾ [ المائدة : 41 ] ، والآية دليل دامغ على أن من لم يطهِّر قلبه فلا بد أن يناله الخزي في الدنيا والعذاب في الآخرة ، ولهذا حرَّم الله سبحانه الجنة على من كان في قلبه مثقال ذرة من خبث ، قال صلى الله عليه وسلم : « لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر » . ولا يدخلها أحد إلا بعد كمال طيبه وطهره ، لأنها دار الطيبين ، ولذا يُقال لهم وهم على مشارف الجنة : ﴿ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ ﴾ [ الزمر : 73 ]. ويُبشَّرون عند موتهم دون غيرهم على لسان الملائكة : ﴿ الّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ المَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الجنَّةَ بِمَا كُنْتمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [ النحل : 32 ]. قال ابن القيِّم : " فالجنة لا يدخلها خبيث ، ولا مَن فيه شيء من الخبث ، فمن تطهَّر في الدنيا ولقي الله طاهراً من نجاساته دخلها بغير معوِّق ، ومن لم يتطهر في الدنيا ؛ فإن كانت نجاسته عينية كالكافر لم يدخلها بحال ، وإن كانت نجاسته كسبية عارضة دخلها بعد ما يتطهر فى النار من تلك النجاسة ، ثم يخرج منها حتى إن أهل الإيمان إذا جازوا الصراط حُبسوا على قنطرة بين الجنة والنار ، فيهَذَّبون وينقَّون من بقايا بقيت عليهم قصرت بهم عن الجنة ، ولم توجب لهم دخول النار ، حتى إذا هُذِّبوا ونقوا أُذِن لهم في دخول الجنة " . من أجل ذلك جاء الأمر جازما للنبي صلى الله عليه وسلم : ﴿ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ ﴾ [ المدثر : 4 ]. قال ابن القيِّم : " وجمهور المفسرين من السلف ومن بعدهم على أن المراد بالثياب ها هنا القلب ، والمراد بالطهارة إصلاح الأعمال والأخلاق " .
النجاسة الكبرى قال الله تعالى : ﴿ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ﴾ [ التوبة : 9 ] فعبَّر سبحانه وتعالى عن نجاستهم بالمصدر للمبالغة ؛ وكأنهم عين النجاسة لأن خبائث الباطن أولى بالاجتناب وهل أخبث من الشرك؟! فإن خبائث القلب مع خبثها في الحال مهلكات في المآل ، ومعنى آخر : هو أن الطهارة والنجاسة غير مقصورة على الظاهر ، فالمشرك قد يكون نظيف الثوب مغسول البدن ولكنه نجس القلب ، وهذا الذي ذهب إليه أهل المذاهب الأربعة إلى أن الكافر ليس بنجس الذات لأن الله سبحانه أحلّ طعامهم ، وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك من فعله وقوله ، فأكل في آنيتهم ، وشرب منها ، وتوضأ فيها ، وأنزلهم في مسجده. وإضافة إلى هذا ؛ فالنجاسات المعنوية ليست على درجة واحدة بل تتفاوت ، وليس محلها قلوب الكفار فحسب ، بل قد توجد في قلوب المسلمين ، فالغضب والكبر والحسد وغيرها من أمراض القلوب نجاسة ، وإذا كان صلى الله عليه وسلم قد قال : « لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة » ، فإن أبا حامد الغزالي [ ت : 505 ] قد تأمل في هذا الحديث تأملا قد يكون بعيدا عن الظاهر لكنه ذو دلالة فقال : " والقلب بيت هو منزل الملائكة ، ومهبط أثرهم ، ومحل استقرارهم ، والصفات الرديئة مثل الغضب والشهوة والحقد والحسد والكبر والعجب وأخواتها كلاب نابحة ، فأنى تدخله الملائكة وهو مشحون بالكلاب ، ونور العلم لا يقذفه الله تعالى في القلب إلا بواسطة الملائكة ، وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء ، وهكذا ما يرسل من رحمة العلوم إلى القلوب إنما تتولاها الملائكة الموكلون بها ، وهم المقدسون المطهرون المبرءون عن الصفات المذمومات ، فلا يلاحظون إلا طيبا ، ولا يعمرون بما عندهم من خزائن رحمة الله إلا طيبا طاهرا " . | |
|