الموضع الرابع: قصة أبي طالب، فمن فهمها فهماً حسناً، وتأمل إقراره بالتوحيد، وحث الناس عليه، وتسفيه عقول المشركين، ومحبته لمن أسلم وخلع الشرك، ثم بذل عمره وماله وأولاده وعشيرته، في نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن مات، ثم صبر على المشقة العظيمة، والعداوة البالغة، لكن لما لم يدخل فيه، ولم يتبرأ من دينه الأول، لم يصر مسلماً، مع أنه يعتذر عن ذلك بأن فيه مسبة لأبيه عبد المطلب، ولهاشم وغيرهما من مشائخهم; ثم مع قرابته ونصرته، استغفر له رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله عليه: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى) الآية (التوبة: 113).
والذي يبين هذا: أنه إذا عرف رجل من أهل البصرة أو الأحساء، يحب الدين ويحب المسلمين، ظن أكثر الناس أنه مع المسلمين، مع أنه لم ينصر الدين بيد ولا مال، ولا له من الأعذار مثل ما لأبي طالب; فمن فهم قصة أبي طالب، وفهم الواقع من أكثر من يدعي الدين، تبين له الهدى من الضلال، وعرف سوء الأفهام، والله المستعان.